المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أمير الإحسان يترّجَّل


محب الدعوة
02-15-2011, 01:51 PM
أمير الإحسان يترّجَّل

أحمد بن عبد المحسن العسّاف
توفي الشَّيخ صالح بن عبد العزيز الرَّاجحي قبيل عصر يوم السَّبت التَّاسع من شهر ربيع الأول عام 1432 في مدينة الرِّياض عن واحد وتسعين عاما، وصلى عليه النَّاس في جنازة مشهودة، وقد أمَّ المصلين سماحة المفتي العام وحضرها جمع حاشد من آل الرَّاجحي، والعلماء وروَّاد العمل الخيري، والأثرياء والوجهاء وغيرهم، حيث توافدوا على جامع الرَّاجحي لأداء الصَّلاة والمشاركة في تشييع جثمان رجل أحب الخير قولاً وفعلاً فقذف الله محبته في القلوب بلا آلة دعاية ولا غيرها.

وحكاية الشَّيخ صالح الرَّاجحي مع الفقر والثَّراء، ومع العمل والجدِّية والإصرار، ومع الإنتاج والانضباط، حكاية مليئة بالعبر والدُّروس والشَّواهد التي ينبغي لنا معرفتها والاستغناء بها وبغيرها عن بعض ما ننقله من الكتب المترجمة عن أمم الشَّرق والغرب. هذا في دنيا الثَّري الرَّاحل؛ أمَّا في تربيته وعبادته وبرِّه وإحسانه ومحبته الخير حتى اشتهر عنه قوله: "اللهم ارزقني وارزق مني" فقصَّة أخرى عجيبة، وأعجب منها عدد الذين ولجوا نادي المال والأعمال من خلال صالح الرَّاجحي حتى قال عنه رجل الأعمال الشَّيخ محمَّد الحبيب: "ما أخذنا منه شيئاً إلا جعله الله سبباً في الخير".

وللرَّجل قدم راسخة ويد سابقة في الأعمال المصرفيّة التي تحاول الاقتراب من المصرفيّة الإسلاميّة وتجتهد في تطبيقها، وله ولع بالأعمال المنتجة التي تفيد البلد، واهتمام بالمشاريع التي توظف الشَّباب وتكفيهم، وكان حريصاً على تدوير ثروته في بلاده ليعظم نفعها، فضلاً عن توجهه صوب الزِّراعة لتحقيق الأمن الغذائي المحلي مع كثرة المنصرفين عنه، وشح الدَّعم لهذه المشاريع المهمَّة على الصَّعيد الوطني. وقد غدا الرَّاجحي أكبر مالك لمزارع النَّخيل في العالم من خلال مزرعة الباطن في القصيم التي دخلت موسوعة الأرقام القياسيّة، علماً أنَّ تمورها ليست معدَّة للتِّجارة بل للصَّدقة وإطعام الجياع، وقد بارك الله فراسته الاستثمارية فأصاب مالاً وفيراً من صفقات تبدو أول الأمر خاسرة أو غير مجدية.

ولصالح الرَّاجحي أعمال خيريّة كثيرة ظاهرة وباطنة والأجر عند الله، ولا تسل عنه مع بناء المساجد بجانب جميع بيوته ومشاريعه الكبرى؛ إضافة لما شيَّده من بيوت الله في شرق الأرض وغربها، وله فضل على العلم وأهله بطباعة الكتب والوقف عليها، وأما عنايته بالقرآن وحلقاته ودوره فشأن يعرفه كلُّ مشتغل بالقرآن وتحكيه وصيته بجلاء. وكم من بيت يقوم على إحسان الرَّاجحي، وكم من شاب وفتاة اقترنا بفضل الله ثم بأمواله، وكم من سجين تخلَّص من ذل الحبس بصدقته، وغير ذلك مما يعرفه العاملون في المؤسسات الخيريّة والاجتماعيّة.

وقد ألهم الله عبده ووفقه لوقف جزء من ماله؛ ليكون هذا الوقف أحد أضخم الأوقاف المعروفة في تاريخ المسلمين، وقد كتب الله لوقفه النَّماء حتى تضاعف أضعافاً كثيرة، والمأمول أن يُصرف هذا الوقف على المصارف التي حدَّدها الواقف في وصيته، وأن يقوم عليه الثِّقات من أولاده وطلبة العلم وخبراء العمل الخيري، حتى ينعم به المجتمع المتلهف لإنجاز مشروعات الخير، ورفع الحاجة عن الفقراء. وعسى الله أن يتقبله بقبول حسن ويعلي به منزلة الشَّيخ الواقف في الآخرة، ويبِّرد عليه مضجعه في حياته البرزخيّة. وكم هو جدير بورثة الشَّيخ وقد آلت إليهم بقية أمواله ألاَّ يقطعوا أثر أبيهم فيهم، ويكونوا مثله في الخير والوقف والإحسان، فهم من ثماره؛ والشَّجرة المباركة طيبة الأصل والفرع والثَّمر.

ومن منَّة الله على الفقيد أن حماه من أن تكون أمواله وبالاً عليه أو على مجتمعه وبلاده، فقد جانب فيها الرِّبا والمعاملات المحرَّمة وبالغ في الحذر منها، ولم يضرب بسهم من ثروته ولو كان قليلاً في تجارة لا ترضي الله، ولم يضيِّع ماله على أهل الغناء والرَّقص والفساد كحال بعض أثرياء المسلمين، ولم يجعل ثروته طريقاً لتخريب الأجيال من خلال القنوات الفضائية كما يفعل بعض الأثرياء المفتونين. ومن تمام المنَّة والفضل أن يكون هذا التَّاجر إمام عدل لمن رام سلوك دروب الصَّفق في الأسواق، فقد كان محافظاً على وقته، ويدير أعماله بنفسه، ولم يفرِّط في حقِّ الله، ولا حقِّ ذوي الحقوق على اختلافهم.

وفي مسيرة الشَّيخ نحو الثَّراء وإيجاد موضع قدم لعائلته الكريمة لم يتوان عن البِّر بوالديه وإشراك أشقائه في التِّجارة والعمل، ورعاية إخوانه وأقاربه، بل حتى أصدقاءه وجيرانه نالهم من بركة ماله ما لا ينساه ذوو الوفاء، ونعم المال الصَّالح للعبد الصَّالح كما قال رسولنا الكريم عليه الصَّلاة والسَّلام. ومن الطَّريف المهيب أن صالح الرَّاجحي بمجده المالي الكبير يفتخر دوماً أنَّه بدأ حياته العمليّة حمَّالاً، وأنَّه ذاق مرارات الحياة وشقائها في طفولته وشبابه.

فاللهمَّ ارحم عبدك وقد آب إليك بعد مرض وعناء، وأحسن عزاء آله من أشقائه وأبنائه وإخوانه وأزواجه وجميع من اتصل به بسبب أو نسب أو صداقة أو شراكة. وإنَّنا إذ نطوي هذه السِّيرة المباركة لرجل جمع المال والاستقامة والإحسان-نحسبه والله حسيبه- لندعو الله أن تكون الأموال والتِّجارة والأعمال في يد مَنْ يخاف الله فينا وفيها، وينَّميها بما ينفع المجتمع في الانتاج والتَّوظيف وفعل الخيرات.
كتبه :
أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
الأثنين 11 من شهرِ ربيع الأول عام 1432

إشراقة الغد
02-15-2011, 08:29 PM
نَسْأَل الْلَّه أَن يَتَغَمَّدَه بِوَاسِع رَحْمَتِه

مِن أَسْبَاب الْرِّزْق الْإِنْفَاق فِي سَبِيِل الْلَّه

قال تعالى : وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ [ سورة سبأ : الآية 39]
وفي الحديث : (( أنفق يا بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا )) .
[الطبراني في الأوسط عن أبي هريرة ، والبيهقي في شعب الإيمان عن عائشة]