المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الآثار المترتبة على العبادات ( انشراح الصدر ، سعة الرزق ... ) للشيخ عبد المحسن العباد


محب الدعوة
02-18-2011, 08:58 PM
قال الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :

وأمّا الآثار المترتبة على العبادات فمنها؛ انشراحُ الصدر، وراحةُ البال، وسَعةُ الرزق، وسلامةُ الإنسان وارتياحُه واطمئنانُه.
وقد جاء في القرآن آياتٌ كثيرة، وفي السنة النبوية أحاديث عديدة، تدلّ على تلك الآثار، وعلى أنَّ تقوى الله عز وجل والأعمال الصالحة يترتب عليها سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
قال الله عز وجل: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ } فإنَّ هذه الآيةَ الكريمة اشتملت على ذِكر العبادة، وعلى ذِكر الأثر المترتب عليها في حياة المسلم، وهي أنَّ من اتقى الله عز وجل وآمن به فإنَّ الله تعالى يُثيبُه ويعطيه في الحياة الدنيا من الرزق، ويفتح عليه من بركات السماء والأرض وذلك بإنزال الأمطار، وإخراج النبات والكنوز من الأرض.
وقال عز وجل في أهل الكتاب: { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } فإنَّ هذه الآية الكريمة، هي مثل تلك الآية السابقة، { لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ } يعني من الأرزاق التي يُنْزِلُها الله عز وجل إليهم من السماء بسبب المطر، وكذلك مِن تحت أرجلهم مِمَّا ينبته الله عز وجل في الأرض من النبات والزروع، وكذلك مِمَّا يخرجه الله عز وجل من الكنوز، وما ذكره الله في هاتين الآيتين عن أهل القرى، وأهل الكتاب، هو من الثواب الدنيوي على الإيمان والتقوى، وأمّا الثواب الأخروي للمؤمنين المتقين فقد ذكره الله تعالى في قوله: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .
وقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا } وهذه عبادة، ثم ذكر الأثر المترتب على ذلك بقوله: { يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا } ، فإنَّ إصلاحَ الأعمال، ومغفرةَ الذنوب في الآخرة، من الآثار المترتبة على العبادة، فقد اشتملت هذه الآية الكريمة، على ذكر آثار تترتب على العبادة في الدنيا وفي الآخرة، ففي الدنيا إصلاح الأعمال والتوفيق والسداد، وأن يكون الإنسان يسير إلى الله عز وجل على بصيرة، وفي الآخرة مغفرة الذنوب، وتكفير السيِّئات.
وقال الله عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ } فهذه الآية الكريمة فيها أنَّ تقوى الله عز وجل وهي عبادتُه وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه يترتب عليها الإخراج من المآزق ومن الشدائد، وكذلك يرزق الله عز وجل مَن أطاعه واتقاه من حيث لا يحتسب.
وقال تعالى: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا } فإنَّ من الآثار المترتبة على تقوى الله عز وجل أن ييسِّر له الأمور، وأن يهيِّئ له سبل الخير، وأن يفتح الطرقَ التي توصله إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة.
وقال عز وجل: { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا } وهذا من الثواب الأخروي المترتب على تقوى الله سبحانه وتعالى.
وقال عز وجل: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ } فهذه الآية الكريمة تدل على أنَّ مَن اتقى الله عز وجل، وعمل بطاعته وطاعة رسوله * يجعل له فرقاناً يفرق به بين الحق والباطل، ويسير إلى الله عز وجل على بصيرة وعلى هدى وهذا في الدنيا، وأمّا في الآخرة فيثيبه بتكفير السيِّئات ومغفرة الذنوب، ومثل قول الله عز وجل في صدر هذه الآية
{ إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا } قول الله تعالى في آخر آية الدَّين: { وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ } .
وقال تعالى فيما حكاه عن نوح وقومه: { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا } فإنَّ هذه الأمور من الآثار المترتبة على العبادة، فالعبادة هنا هي الاستغفار والآثار المترتبة عليها في هذه الآية هي أنه يرسل السماء عليهم مدراراً، ويُمددهم بالأموال والبنين، ويجعل لهم جنات ويجعل لهم أنهاراً.
ومثل هذه الآية ما ذكره الله عن هود وقومه في قوله: { وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ } .
ومثلها أيضاً ما ذكره الله عن نبينا محمد * وقومه في قوله: { وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ } .
وقال تعالى: { مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } ففي هذه الآية الكريمة أنَّ الإيمان والعمل الصالح يترتب عليهما أن يحي الإنسان حياة طيبة سعيدة، معمورة بتقوى الله وطاعته وطاعة رسوله صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، مع ما يحصله من الثواب الجزيل في الآخرة.
ومِمَّا جاء في السنة المطهرة في بيان ما يترتب على العبادات من الآثار الطيبة في حياة المسلم ما جاء في وصية النَبِيِّ الكريم * لابن عباس رضي الله عنهما حيث قال عليه الصلاة والسلام في تلك الوصية العظيمة النفيسة: (( احفَظ الله يحفظك، احفظ الله تَجده تجاهك … )) رواه الترمذي (2516) وقال:
(( حديث حسن صحيح )). وفي لفظ آخر عند الإمام أحمد (2803): (( احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك تعرَّف إليه في الرَّخاء يعرفك في الشدة )) وهذا الحديث هو الحديث التاسع عشر من الأربعين النووية وجاء في شرحها للحافظ ابن رجب في كتابه جامع العلوم والحكم معانٍ نفيسه في شرح هذا الحديث استفدت منه في بيان معاني هذه الجمل من الحديث، وحفظ الله عز وجل لعبده يدخل فيه نوعان: حفظه في بدنه وماله وأولاده وأهله، وكذلك حفظه في دينه بأن يَسلم من الشبهات المضلَّة ومن الشهوات المحرمة، فيكون بذلك على سداد وعلى استقامة في أمور دينه ودنياه، وهذا من حفظ الله عز وجل لِمَن حفظه، فالعبدُ يحفظ اللهَ عز وجل بحفظ حدوده والقيام بأوامره واجتناب نواهيه، واللهُ تعالى يثيبه على ذلك الحفظ حفظاً من جنس عمله، والجزاء من جنس العمل.
فإنَّ قوله: (( يحفظك )) هذا جزاء، وهو من الآثار المترتبة على العمل الصالح، وهو جزاء من جنس العمل، وقوله: (( احفظ الله تجده تجاهك )) أي: أنَّك تجد الله عز وجل أمامك فيحوطك ويرعاك، ويحفظك من كلِّ سوء، وقوله عليه الصلاة والسلام: (( تعرَّف إليه في الرخاء يعرِفْك في الشدَّة )) أي: أنَّك إذا لزمت طاعةَ الله وطاعة رسوله * في حال رخائك، وفي حال سعتك، فإنَّ الله عز وجل يُثيبك بأن يحفظَك في الشدائد وفي حال وقوعك في المآزق.
ومِمَّا يوضح أنَّ مَن تَعرَّف إلى الله عز وجل في الرخاء عرَفَه الله تعالى في الشدَّة ما جاء في قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار، فانحدرت عليهم صخرةٌ، وسدَّت بابَ الغار فلم يستطيعوا أن يخرجوا، فصاروا في قبرٍ وهم أحياء فتذاكروا فيما بينهم، فرأوا أنَّ السببَ الذي يخلصهم الله عز وجل به مما هم فيه من الشدة، أن يبحثوا عن أعمال صالحة عملوها لله عز وجل في حال الرخاء، فيتوسلوا بها إلى الله عز وجل في هذه الشدَّةِ التي وقعوا فيها؛ فتوَسَّلَ أحدُهم إلى الله عز وجل بِبِرِّه لوالديه، وتوسَّلَ الثاني بتَركه الزنى مع قُدرَتِه عليه، وتوسَّل الثالثُ بحفظ حق أجيره وتنميته له لَمَّا ذهب قبل أخذه، فكلُّ واحد منهم توسَّل إلى الله عز وجل بعمل صالح عمله لله عز وجل في حال رخائه، فأزاح الله تعالى تلك الصخرة، وخرجوا يمشون.
وقصة هؤلاء الثلاثة جاءت في صحيح البخاري
(2215)، ومسلم (2743) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما.
ثم إنَّ من العبادات الصلاة والزكاة والصيام والحج، وكلُّ واحدة منها لها آثار طيبة في حياة المسلم.
الصلاةُ هي عمود الإسلام، وهي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي صلةٌ وثيقةٌ بين العبد وبين ربِّه، فإذا حافظ الإنسانُ على الصلوات في المساجد جماعة مع المسلمين فإنَّه تقوى صلته بالله عز وجل، لأنَّه يكون على صلة بالله دائماً وأبداً في اليوم والليلة، يصلي لله خمس مرات صلوات مفروضة، وكذا ما يأتي به من النوافل فإنَّ الله سبحانه وتعالي يثيبه على ذلك كلِّه، فيبعده عن الفحشاء والمنكر؛ لأنَّه إذا همَّ بمعصية وهمَّ بأمر منكر، تذكَّر لماذا يصلي؟ ولماذا يلازم الصلاة؟ إنَّه يفعل ذلك رغبة فيما عند الله من الثواب وخوفاً مما عنده من العقاب، فإنَّ صلاته تنهاه عن الفحشاء والمنكر، فيكون بعيداً عن الفحشاء وبعيداً عن المنكر، قال الله عز وجل: { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِن الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ } .
ثم إنَّ الزكاةَ آثارُها عظيمة؛ فهي تطَهِّر النفسَ من الشُّح والبخل، وتطهر المال، وتكون سبباً في نمائه وكثرته، ويحصل بها ما يسمى في هذا الزمان (بالتكافل الاجتماعي) وهو أنَّ الأغنياءَ عندما يخرجون زكاة أموالهم ويعطونها للفقراء، فإنَّ الفقراء تنسد بذلك حاجاتهم ويحصل لهم القوت بسبب هذا الحق الذي فرضه الله عز وجل في أموال الأغنياء، وقد جاء في حديث معاذ بن جبل المتفق على صحته قوله *: (( فإن هم أجابوا لذلك - أي استجابوا للصلاة - فأَعلمهم أنَّ الله افترض عليهم صدقةً في أموالهم، تُؤخذ من أغنيائهم فتُرَدُّ على فقرائهم )) ففي إخراج الزكاة نفعٌ كبير للأغنياء حيث تتطَهَّر نفوسُهم، وتنمو أموالُهم، ويُثابون على إحسانهم إلى إخوانِهم المسلمين، الذين حصل لهم الفقر، وحصلت لهم الفاقةُ والشِّدَّةُ، فيحصل إغناؤهم بهذه الصدقة التي تَسدُّ حاجتهم، وتقضي عوزَهم، والله عز وجل فرض الزكاةَ في أموال الأغنياء على وجه ينفع الفقير، ولا يضر الغني، فهي جزءٌ يسيرٌ من مالٍ كثير تفضَّل الله عز وجل به وجاد، وأوجب ذلك القسط القليل الذي لا يؤثر على الغني إخراجه وهو ينفع ذلك الفقير الذي أعدم ولم يحصل له شيء من المال.
ومن الآثار الحسنة المترتبة على الصدقة والإحسان إلى المساكين ما جاء في صحيح مسلم (2984) من حديث أبي هريرة عن النَبِيِّ * قال: (( بينا رجلٌ بفلاة من الأرض، فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقةَ فلان، فتنحَّى ذلك السحاب فأفرغ ماءَه في حَرَّةٍ، فإذا شَرْجَةٌ من تلك الشِّرَاج قد استوعبت ذلك الماء كلَّه، فتتبَّع الماءَ فإذا رجلٌ قائمٌ في حديقة يحوّل الماء بِمِسْحَاتِه، فقال له: يا عبد الله ما اسمك؟ قال: فلان، للاسم الذي سمع في السحابة، فقال له: يا عبد الله لِمَ تسألني؟ فقال: إنِّي سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان لاسمك، فما تصنع فيها؟ قال: أمّا إذ قلت هذا، فإنِّي أنظر إلى ما يخرج منها، فأتصدّق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثاً، وأردّ فيها ثلثه )). وفي رواية له: (( وأجعل ثلثَه في المساكين والسائلين وابن السبيل )).
وأمّا الصيامُ فإنَّ آثارَه عظيمةٌ، ونتائجَه كبيرةٌ، وذلك أنَّ في الصيام جُنَّةً، كما قال رسول الله *: (( الصيامُ جُنَّة )) رواه البخاري (1894)، ومسلم (1151)، فهو جُنَّةٌ من النار، ووقايةٌ منها في الدار الآخرة، وهو جُنَّةٌ من المعاصي؛ إذ إنَّ فيه إضعاف قوة الشهوة في النفس، فيكبح جِماحَها، ويحول بينها وبين أن تقع في المزالق، وتقع في الأمور المحرمة، بسبب التمتع بالنعم والتلذذ بها، فإنَّّ النفس قد تقدم بسبب ذلك على ما لا تحمد عقباه في الدنيا والآخرة، ولهذا قال النَبِيُّ الكريم عليه الصلاة والسلام: (( حُفَّت الجنّة بالمكاره، وحُفَّت النار بالشهوات )) رواه البخاري (6487) ومسلم (2822)، واللفظ لمسلم، فالطريق إلى الجنّة يحتاج إلى صبر على طاعة الله عز وجل، ويحتاج إلى صبر عن المعاصي، والطريق إلى النار محفوفٌ بالشهوات، فإذا ابتعد الإنسانُ عن تلك الشهوات ظفر بالسلامة، وإذا أقدم على الشهوات فإنَّ ذلك قد يوقعه في الأمور المحرمة، وتكون لذة عاجلة ولكن يعقبها حسرةٌ وندامةٌ وخزيٌ وعارٌ في الدنيا والآخرة، وقد جاء في الحديث المتفق على صحته عن عبد الله بن مسعود أنَّ الرسول * قال: (( يا معشرَ الشباب مَن استطاع منكم الباءةَ فليتزوَّج، فإنَّّه أحصنُ للفرج، وأغضُّ للبصر، ومن لَم يستطع فعليه بالصومِ، فإنَّه له وِِجَاء ))، فقد بيَّن عليه الصلاة والسلام أنَّ الإنسان إذا كان قادراً على الزواج، فعليه أن يبادرَ إليه ليُعفَّ نفسه، وليعفَّ غيره، وإذا كان غيرَ قادر فإنَّه يتعاطى هذا العلاج النبوي الذي أرشد إليه الرسول الكريم صلوات الله وسلامه وبركاته عليه وهو الصيام؛ لأنَّه حميةٌ ووقايةٌ من أن يقعَ الإنسانُ في المعاصي، وذلك لما يحصل في الصوم من إضعاف النفس وعدم تمكنها من الأمور التي كانت تتمكَّن منها في حال التنعم في المآكل والمشارب.
والحاصل أنَّ هذا توجيهٌ نبويٌّ كريم من الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة وأتمّ التسليم للشباب أن يقدموا على الزواج إذا تمكنوا من ذلك وقدروا عليه، وإذا لم يستطيعوا فإنَّهم يكبحون جماح نفوسهم بالصيام.
وفي صيام الأغنياء إحساسهم بألم الجوع، فيتذكرون نعمةَ الله عليهم بالغنى فيشكرون الله عز وجل ويشعرون بأنَّ لهم إخواناً يتألَّمون من الجوع من غير صيام؛ لأنَّهم لا يجدون ما يسُدُّ رَمَقَهم فيكون ذلك حافزاً لهم على الإحسان إلى المساكين والبذل للمُعوزين والمحتاجين.
وأمّا الحجُّ فإنَّه عبادة عظيمة، افترضها الله عزَّ وجلَّ على عباده في العمر مرة واحدة، وهي تشتمل على أمور تتعلَّق بالمال، وأمور تتعلَّق بالبدن، ولها آثارٌ طيبة، ونتائج حميدة في حياة الإنسان، وقد جاء عن النَبِيِّ الكريم عليه الصلاة والسلام: (( العمرةُ إلى العمرة كفارةٌ لِمَا بينهما، والحجُّ المبرورُ ليس له جزاء إلاَّ الجنّة )) رواه البخاري (1773)، ومسلم (1349) عن أبي هريرة ، وسُئل رسولُ الله * عن أفضل الأعمال فقال: (( الإيمانُ بالله ورسوله، قيل: ثمَّ ماذا ؟ قال: الجهادُ في سبيل الله، قيل: ثمَّ ماذا ؟ قال: حَجٌّ مبرور )) رواه البخاري (26)، ومسلم (83) عن أبي هريرة ، وقال رسول الله *: (( مَن حَجَّ لله فلم يرفث ولَم يفسق رجع كيوم ولَدته أمُّه )) رواه البخاري (1521)، ومسلم (1350) عن أبي هريرة ، والحجُّ المبرورُ هو الذي يأتي به الإنسان مطابقاً لسنة النَبِيِّ الكريم عليه الصلاة والسلام، وعلامتُه أن يكون بعد الحجِّ أحسنَ منه قبل الحجّ، فإذا تحوَّلت حالُ الإنسان بعد الحجِّ من حال سيِّئةٍ إلى حال حسنة، أو من حال حسنة إلى حال أحسن فهي العلامةُ الواضحةُ لكون حجِّه مبروراً.
أيضاً يترتب على أداء الحجّ والعمرة أنَّه يتقرَّب إلى الله عز وجل بعبادات لا وجود لها إلاَّ في ذلك المكان، مثل الطواف، فإنَّ الطوافَ عبادةٌ جعلها الله من خصائص بيته العتيق، فإذا وصل إلى مكة طاف بالبيت العتيق، وتقرَّب إلى الله عز وجل بعبادة لو لم يصل إلى مكة لما تقرّب إليه بها؛ لأنَّه لا وجود لها إلاَّ حول الكعبة المشرّفة، ويستذكر بذلك ويستشعر أنَّ أيَّ طواف يكون في أي مكان من الأرض ليس مِمَّا شرعه الله عز وجل، فلا يجوز لأحد أن يطوفَ بضريح من الأضرحة، أو بأيِّ بقعة من الأرض سوى الكعبة المشرّفة. ومن ذلك تقبيل واستلام الحجر الأسود، واستلام الركن اليماني، فإنَّ الله عز وجل لَم يشرع للمسلمين أن يتقربوا إليه بتقبيل حجارة أو استلامها إلاَّ في هذين الموضعين، ولهذا لَمَّا جاء عمر بن الخطّاب رضي الله تعالى عنه وأرضاه إلى الحجر الأسود وقبَّلَه قال: (( إنِّي أعلم أنَّك حجرٌ لا تَضرُّ ولا تنفع، ولولا أنِّي رأيتُ رسولَ الله * يُقَبِّلُك ما قَبَّلْتُك)) رواه البخاري (1597)، ومسلم (1270).
ومن الآثار المترتبة على الحجّ والعمرة أنَّ المُحرِمَ عندما يتَجَرَّد من ثيابه ويلبس إزاراً ورداءً يستوي فيه الغنِيُّ والفقير، يتذكر بهذا اللباس لباسَ الأكفان عند الموت، فيستعد له بالأعمال الصالحة التي هي خير زاد كما قال تعالى: { وَتَزَوَّدُوا فَإِن خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } .
ومن ذلك أيضاً أنّ في اجتماع الحجّاج في عرفة تذكيراً باجتماع الناس في الموقف يوم القيامة فيكون ذلك حافزاً للاستعداد لذلك اليوم بالأعمال الصالحة.
وفي الحجّ يلتقي المسلمون من مشارق الأرض ومغاربها، فيتعارفون، ويتناصحون، ويعرف بعضُهم أحوالَ بعض، فيتشاركون في الأفراح والمسرَّات، كما يشارك بعضهم بعضاً في آلامه، ويرشده إلى ما ينبغي له فعله، ويتعاونون جميعاً على البر والتقوى كما أمرهم الله سبحانه بذلك.
والحاصل أنّ هذه العبادات العظيمة التي شرعها الله عز وجل، وبنَى عليها دينَه الحنيف، تترتب عليها آثار طيبة في حياة المسلم الدنيوية، وآثار عظيمة في حياته الأخروية.
وأسأل الله عز وجل أن يوفقنا جَميعاً لما يرضيه، وأن يجعلنا مِمَّن يستمع القولَ فيتبع أحسنه، وأن يجعلنا هداةً مهتدين، إنَّه سبحانه جوادٌ كريم، وصلَّى الله وسلم وبارك وأنعم على خير أنبيائه ورسله نبيِّنا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وأصحابه، ومَن سلك سبيلَه واهتدى بهداه، والحمد لله ربّ العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *