المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مسألة ....


محب الدعوة
07-25-2011, 12:52 AM
"من باب المدارسة فقط ليس إلا " ( شم البخور لا يفطر ، أما التدخين فمفطر بلا شك للفرق بينهما ) :



ثمة شبهة جعلت بعض من لم يقتنع بأن البخور مفطرا يحتار في مسألة التدخين ، مما أثر عليه ، وعدَّ أن لازم قوله بأن البخور لا يفطر أن يقول في التدخين كذلك ، فحار بفكره الأمر لأنه غير مقتنع بجعل التدخين غير مفطر وفتح المجال للعصاة ، وبعد أخذ ورد جعل الكل مفطرا وفي النفس ما فيها من مسألة أن استنشاق البخور يفطر به الصائم كيف وهي مما عم بها البلوى وكانت في زمن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يرد نص ولا ضعيف بالقول بأنه مفطر مع عموم البلوى !.







مناقشة :



قد يعترض معترض ويقول :



مالفرق بين استنشاق البخور وبين التدخين وكلاهما له جرم يدخل في الجوف ، فلماذا بعض العلماء لا يفطرون في البخور أما التدخين فيفطرون به ، وما وجه التفريق ، وخصوصا وأن بعض أهل العلم كابن تيمية رد على من جعل البخور مفطرا .



فظهر لنا رأي آخر فجعلو الكل مفطر سواء استنشاق البخور أو التدخين مع أن البخور كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وهو مما تعم به البلوى ولم يأت نص واحد يدل على أنه مفطر ! فكيف جعلوه مفطر وهو ليس بأكل ولا شرب بل هو شم ، قال في شيخ الإسلام في الفتاوى :



(وَإِذَا كَانَتْ الْأَحْكَامُ الَّتِي تَعُمُّ بِهَا الْبَلْوَى لَا بُدَّ أَنْ يُبَيِّنَهَا الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانًا عَامًّا وَلَا بُدَّ أَنْ تَنْقُلَ الْأُمَّةُ ذَلِكَ : فَمَعْلُومٌ أَنَّ الْكُحْلَ وَنَحْوَهُ مِمَّا تَعُمُّ بِهِ الْبَلْوَى كَمَا تَعُمُّ بِالدُّهْنِ وَالِاغْتِسَالِ وَالْبَخُورِ وَالطِّيبِ . فَلَوْ كَانَ هَذَا مِمَّا يُفْطِرُ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَيَّنَ الْإِفْطَارَ بِغَيْرِهِ فَلَمَّا لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ الطِّيبِ وَالْبَخُورِ وَالدُّهْنِ وَالْبَخُورُ قَدْ يَتَصَاعَدُ إلَى الْأَنْفِ وَيَدْخُلُ فِي الدِّمَاغِ وَيَنْعَقِدُ أَجْسَامًا وَالدُّهْنُ يَشْرَبُهُ الْبَدَنُ وَيَدْخُلُ إلَى دَاخِلِهِ وَيَتَقَوَّى بِهِ الْإِنْسَانُ وَكَذَلِكَ يَتَقَوَّى بِالطِّيبِ قُوَّةً جَيِّدَةً فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى جَوَازِ تَطْيِيبِهِ وَتَبْخِيرِهِ وَادِّهَانِهِ وَكَذَلِكَ اكْتِحَالُهُ . وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُجْرَحُ أَحَدُهُمْ إمَّا فِي الْجِهَادِ وَإِمَّا فِي غَيْرِهِ مَأْمُومَةً وَجَائِفَةً فَلَوْ كَانَ هَذَا يُفْطِرُ لَبَيَّنَ لَهُمْ ذَلِكَ فَلَمَّا لَمْ يَنْهَ الصَّائِمَ عَنْ ذَلِكَ عُلِمَ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْهُ مُفْطِرًا .انتهى .







قلت استنشاق البخورسواء كان متعمداً أو غير متعمد لا يفطر به الصائم أما التدخين فإن الصائم يفطر به كيف ذلك ؟ :



قبل ذلك أقول الذي يظهر لي أن من يقول بأن من يقصد شم البخور يفطر هكذا بإطلاق قد جانب الصواب ، كيف لا وقد كان البخور في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ومما تعم به البلوى ، وقد كان الناس يوقدون النار ويطبخون طعامهم ولاشك بأن منهم من قد يتعمد شم البخور أو دخان النار ، ولم ينهى الناس عن ذلك فيما علمنا ولو بدليل ضعيف ، فلا بد من البقاء على هذا الأصل ، حتى يرد الدليل الناقل عن هذا الأصل .







تأمل أحسب أن أصبت فأقول :



أولاً/ في الأزمان السابقة قبل أن يظهر التدخين كان الناس إذا أرادوا استنشاق البخور أو دخان النار فإنهم يقصدون به الشم لا إدخاله في الجوف بل الإدخال يأتي تبعا لا قصدا .



إذا تبين هذا وهو الفرق بين قصد الشم ثم دخول دخان البخور إلى الجوف تبعا لا قصدا ، وبين من قصد إدخال البخور أو دخان النار إلى الجوف يظهر لنا الفرق ويظهر لنا لماذا نقول بأن التدخين يفطر.





ثانيا / التدخين الذي ظهر في أزمان متأخرة ، معلومٌ للجميع أن فاعله قاصدا لإدخاله في جوفه قصدا أوليا ، بدليل أنه حينما يشعل السيجارة لايقوم بشمها وإنما يقوم بسحب دخانها لجوفه ، وهذا أمرٌ ظاهر لمن تأمل .







إذا تبين لنا هذا تعالوا لنعرف القاعدة التي تقول :



" يجوز تبعا ما لا يجوز إستقلالا "



فمستنشق البخور له حالات :



1- قصد الشم فقط ودخول دخان البخور إلى الجوف غير مقصود لكنه أتى تبعا ، فهذا لا يفطر به سواء تعمد الشم أم لم يتعمد لأن الأعمال بالنيات وهذا عمل قصد منه الشم وليس الإدخال إلى الجوف وإنما الإدخال إلى الجوف جاء تبعا لا قصدا ، وقد كان البخور في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يقصدون به الشم وليس الإدخال في الجوف ولا نعلم أنهم كانوا يقصدون به الإدخال إلى الجوف ، فلذلك لم يأت نص ينبه إلى أن تعمد شم البخور مفطر مع عموم البلوى ، فلما لم يأت نص بهذا علم أنه باق على الأصل .







2- أن يقصد شام البخور إدخال البخور إلى الجوف قصدا أوليا فهذا هو الذي يفطر به لأن الدخان له جرم وقد قصد بهذا الإدخال قصدا أوليا ، ومثل هذا العمل لم يكن الناس يعملونه أنهم يقصدون إدخاله قصدا أوليا بل كانوا يقصدون به الشم ثم يدخل تبعا لا قصدا ، فلذلك بقي حكمه على الأصل هو أنه لا يفطر لأنهم يقصدون به الشم فقط وليس الإدخال وإنما الإدخال جاء تبعا غير مقصود ولا مراد .



3- من هذا نعلم أن التدخين مفطر لأن إدخاله للجوف مقصود قصدا أوليا ، ولا نعلم أحد أشعل سيجارة وجلس بجوارها يشمشمها فهذا لا يفعلونه وإنما يعملون على إدخال الدخان إلى الجوف فكان المقصود منه الشرب أما الشم عندهم يأتي تبعا ، حتى ولو جاء شخص يقول أقصد به الشم نقول له كذبت بدليل أنك تسحبها سحبا بعد أن تشعلها ولا تقوم بشمشمتها ، فبان لك الفرق وأن القصد هو الإدخال قصدا أوليا رضيت أم أبيت .







4- يدل لهذا ما عليه عمل الناس في المضمضة والسواك ، فلماذا دل الدليل على جواز المضمضة والمسواك والتذوق مع المج للصائم ، مع أنهم يقولون بأن المضمضة والسواك قد بيقى معها شيء يسير ولا يمكن الاحتراز منه فيدخل إلى الجوف ، الجواب : لأن ما بقي من المضمضة والسواك غير مقصود فدخوله غير مقصود أصلا وإنما جاء تبعا لا قصدا ، فكذلك نحن هنا في مسألة شم البخور أو النار فدخول الدخان جاء تبعا لا قصدا مما يصعب التحرز منه لمن يشم البخور ، أما المدخن فدخول الدخان جاء قصدا أوليا فصار التدخين مفطرا، أما استنشاق البخور والنار بقصد الشم لا يفطر ، مالم يقصد إدخاله إدخالا أوليا وهذ لا يفعله الناس قديما وحديثا وإن وجد فيكون كالتدخين .



الخلاصة :



1- أن شم البخور مما تعم به البلوى وقد كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو كان الشم للمتعمد مفطرا لنقل إلينا ذلك ، فلما لم ينقل لنا ذلك بقينا على الأصل وهو عدم التفطير .



2- أن من يشم البخور ودخان النار لا يقصد به الإدخال إلى الجوف وإنما يقصد أن يصل ما شمه إلى حاسة الشم وما زاد عن ذلك ودخل للجوف يصعب التحرز منه ولا يقصده من فعل هذا ، فصار دخول البخور للجوف غير مقصود معفوا عنه .



3- أن من شرب الدخان يقصد بإدخاله للجوف قصدا أوليا والشم يأتي تبعا ، بدليل أن من يمارس هذه العادة السيئة لا يشعلها ويتشمشمها وإنما يشربها شربا ، فبان الفرق .







والله تعالى أعلم .