المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خطاب الرحمة أيها الناس للشيخ عائض حفظه الله ..


محب الدعوة
04-21-2012, 09:28 AM
قال الشيخ عائض القرني حفظه الله :
بعد زيارة أربعين دولة عرفتُ سرَّ قول الباري {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}، هكذا بلفظ رحمة ومدلولها؛ لأن أي خطاب غير خطاب الرحمة ومنهج الرحمة وأسلوب الرحمة فإن مصيره الفشل لا محالة؛ ولهذا تُعاد الرحمة بأسلوب تعامله صلى الله عليه وسلم مع الناس؛ فيقول له ربه {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ}؛ بالرحمة وحدها تستطيع أن تدخل قلوب الناس، وأن تنفذ إلى أرواحهم مباشرة، وأن تصحِّح أفكارهم.. بالرحمة وحدها يذعن لك المخالِف، ويتوب العاصي، ويعتذر المخطئ، ويُقبل المعارض، ويلين القاسي، ويسكن المغضب، وينتهي الخلاف.. بالرحمة وحدها يُكتَب لدعوتك القبول، ولمشروعك النجاح، ولقولك الاستماع، ولشخصك الاحترام.. فالرحماء شهداء على الأمة، عدول في التبليغ، صادقون في القول، محبوبون في الناس؛ ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "الراحمون يرحمهم الرحمن". قلبٌ بلا رحمة قِطْعة من حجر، روحٌ بلا رحمة صحراء قاحلة، لسان بلا رحمة سوطٌ من عذاب، موعظةٌ بلا رحمة إعلان حرب، منهج بلا رحمة سرداب مظلم..
أيها العلماء والدعاة والمفكرون والأساتذة والأدباء والكتَّاب والتّجار.. الرحمة الرحمة، وسوف تجنون ثمارها اليانعة ثواباً من الله ودعاءً من عباده وثناءً حسناً في الدنيا وجنَّة عرضها السماوات والأرض وتاريخاً مجيداً من النجاح الباهر.
والذي يدخل الحياة بلا رحمة فلا حظَّ له بالتوفيق، ولا نصيب له في النجاح، ولا سهم له في القبول، كما قال صلى الله عليه وسلم: "من لا يرحم لا يُرحم"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "إنما يرحم الله من عباده الرحماء". ومن أعظم الأدعية قوله صلى الله عليه وسلم: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين".
إن القاسي والجافي والفظَّ الغليظ والطعَّان واللعَّان والفاحش البذيء لا يكون وليًّا لله ولا نصيراً لدينه ولا داعيةً لسبيله ولا مفتاحاً من مفاتيح الخير ولا أباً مربياً ولا أستاذاً ناجحاً ولا طبيباً ماهراً ولا كاتباً لامعاً؛ لأن هؤلاء باختصار "أشقياء"، والشقي محروم من الرحمة، مخذول من الله، مرفوض من الناس، منبوذ من المجتمع، ممقوت من القلوب، منسي من التاريخ. إن الأشقياء جنود للشيطان وحزب للباطل؛ لأنهم حُرموا رحمة الله. وإنني لأستنكر وأرفض قول المتنبي:

وَمَن عَرَفَ الأَيّامَ مَعرِفَتي بِها *** وَبِالناسِ رَوّى رُمحَهُ غَيرَ راحِمِ
فَلَيسَ بِمَرحومٍ إِذا ظَفِروا بِهِ *** وَلا في القضا الجاري عَلَيهِم بِآثِمِ
بل من عرف الأيام معرفتي بها فتح قلبه للناس، وألان لهم القول، وخفَّض لهم الجناح، وبسط لهم وجهه.. حينها يزرع محبته في قلوبهم، وينال دعاءهم وثناءهم، وفوق ذلك رحمة أرحم الراحمين.
إننا في هذا العصر أكثر مما سواه بحاجة ماسة إلى خطاب الرحمة حتى مع غير المسلمين؛ لأنه زمن غربة للدين، وقِلَّة في العلماء العاملين، مع كثرة المغريات والشواغل والفتن؛ فحقٌ على من عنده بصيص من نور أو أثارة من عِلْم أو بقية من خير أن يقدِّم خطاب التسامح ومنهج الرحمة؛ ليكون سبباً مباركاً في عودة الناس إلى ربهم، وحبلاً مبسوطاً بين الخلق والخالق، وطوق نجاة للهالكين، كما قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا زانة، وما نُزع من شيء إلا شانه".
آن لمدرسة الشّتم والسّب والتجريح أن تُغلق إلى الأبد، وآن لجامعة الرحمة والتسامح والرفق أن تُفتح إلى الأبد.
إن من كتب من علماء الإسلام ودعاته تجاربهم في مذاكرات خرجوا بخلاصة أن النجاح مع الرحمة، والقبول مع الرحمة، والفوز مع الرحمة.. وإن سفينة النجاة لا تُركب إلا بالرحمة؛ فاركب معنا في سفينة الرحمة وقائدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشعارها: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.